أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

كيف تفكر موسكو؟

التحولات الراهنة في دور روسيا الدولي

24 مايو، 2015

كيف تفكر موسكو؟

استضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، بمقره في أبوظبي، يوم الأربعاء الموافق 15 مايو 2015، الدكتورة إيلينا سابونينا، مديرة المركز الروسي للشرق الأوسط وآسيا بمعهد الدراسات الاستراتيجية في موسكو، وذلك في لقاء عام، تحت عنوان: "كيف تفكر موسكو؟.. التحولات الراهنة في الدور الروسي على الساحة الدولية".

استهلت سابونينا حديثها بأن ما نعاصره حالياً هو فترة تحولات كبرى سياسية واقتصادية في مختلف أقاليم العالم، خاصة فيما يتعلق بتراجع النفوذ والدور الأمريكي، وتصاعد التوتر بين روسيا من جانب والولايات المتحدة والدول الأوروبية من جانب آخر، بسبب الأزمة الأوكرانية، مما حدا بالبعض للقول إننا على أعتاب حرب باردة جديدة تتسبب فيها الولايات المتحدة.

من أين تأتي قوة روسيا؟

أكدت سابوبينا أن مصادر قوة روسيا متعددة، إذ تمتلك قدرات جيوسياسية كبيرة، فهي أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، كما يبلغ عدد سكانها حوالي 146 مليون نسمة، بعد أن كان 144 مليون نسمة، وذلك بسبب ضم القرم في ربيع 2014، وتعد روسيا من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن والذين يتمتعون بحق الفيتو، فضلاً عن امتلاكها ترسانة نووية كبيرة، من جهة أخرى، تعد روسيا أكبر دول العالم إنتاجاً للنفط، كما أنها تحتل أيضاً المركز الأول من حيث احتياطي الغاز الطبيعي. وقد ساعدت كل هذه العوامل في أن تبقى روسيا على الرغم من أي أزمات تتعرض لها من أهم دول العالم، ويُنظر دائماً لتوجهاتها السياسية بعين الاعتبار.

تداعيات العقوبات الغربية

أشارت سابونينا إلى تأثر الاقتصاد الروسي سلباً بالعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، بالإضافة لتراجع أسعار النفط بحوالي النصف، وهو ما أدى إلى إصابة الاقتصاد الروسي بالكساد، وتراجع القوة الشرائية للروبل الروسي، فضلاً عن ارتفاع الديون الخارجية، سواء بالنسبة للشركات أو الحكومة الروسية، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة.

وأكدت أن نقص السلع الأوروبية في الأسواق الروسية لن يساهم في تشجيع الصناعة الوطنية الروسية نظراً لتدهور الصناعات الغذائية الروسية، وارتفاع أسعارها مقارنة بالسلع التي كانت تستورد من أوروبا بتكلفة أقل وبجودة أعلى، وهو ما يشكل ضغطاً إضافياً على القوة الشرائية للمواطن الروسي المتراجعة أصلاً.

لكنها أوضحت في الوقت ذاته أن تلك العقوبات تؤثر بالسلب على دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما دفع دول أوروبية مثل اليونان وقبرص وبلغاريا للإعلان رسمياً عن اعتراضهم عن العقوبات الأوربية، كما لم يخفي رجال الأعمال في إيطاليا وألمانيا انزعاجهم من هذا الأمر مطالبين بضرورة تخفيض هذه العقوبات التي تزيد من ركود الاقتصاد الأوروبي.

الدور الأمريكي لفرض العزلة على روسيا

كشفت سابونينا عن تأكيد رئيس الوزراء اليوناني في زيارته الأخيرة لموسكو أن العقوبات الأوروبية تقف خلفها الولايات المتحدة، مستهدفة إضعاف الاقتصاد الروسي، خاصة في ضوء ارتفاع حجم التبادل التجاري بين روسيا والاتحاد الأوروبي، غير أن روسيا سعت لإحباط المساعي الأمريكية من خلال استضافتها لقمة منظمة شانغهاي في يوليو 2015 في مدينة أوفا الروسية، والتي تتزامن مع قمة مجموعة البريكس.

ومع ذلك، أوضحت سابونينا أن روسيا تدرك جيداً أن البريكس لا يعوضها عن علاقاتها التجارية بدول الاتحاد الأوروبي، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وباقي أعضاء دول البريكس في عام 2014 حوالي 120 مليار دولار، في حين أن حجم التبادل التجاري بين روسيا والاتحاد الأوروبي بلغ في عام 2013 حوالي 371.4 مليار دولار، وهو ما يتطلب ضرورة تفعيل وزيادة التبادل التجاري والتكامل الاقتصادي بين روسيا وباقي دول البريكس.

توجهات روسيا المقبلة في الشرق الأوسط

ذهبت سابوبينا للقول إنه على الرغم تحسن العلاقات بين روسيا ودول الشرق الأوسط في عهد الرئيس بوتين مقارنة بفترة حكم يلتسن التي شهدت انعزال لروسيا عن الشرق الأوسط، فإن هذه العلاقات في حاجة لمزيد من التطوير. وتسعى روسيا حالياً للعب دور حيوي وإيجابي بالمنطقة، لكن هذا الدور لا يمكن مقارنته بالدور الذي كان يلعبه الاتحاد السوفييتي السابق.

فقد أصبح الشرق الأوسط أكثر أهمية لروسيا منذ رئاسة فلاديمير بوتين، لذا بدأت روسيا العودة بقوة للشرق الأوسط والدخول كلاعب مؤثر في تفاعلاته ليس من أجل مصالح روسيا بالمنطقة فحسب، ولكن من أجل محاولة كسر احتكار النفوذ الأمريكي بها، وعلى الرغم من تحسن العلاقات مع الشرق الأوسط، فإن التبادل التجاري بين الطرفين ضعيف ولا يتجاوز الـ 14 مليار دولار، فالولايات المتحدة مازالت حليف استراتيجي مهم لأغلب دول المنطقة.

وفي ظل الجدل القائم حول موقف روسيا من الأزمة اليمنية وعاصفة الحزم، أكدت سوبونينا أن روسيا تتمتع بعلاقة جيدة بكل الأطراف في اليمن، والتقى الرئيس اليمنى عبدربه هادي منصور بالرئيس بوتين من قبل في عام 2013. وامتنعت روسيا عن التصويت في جلسة الأمن الأخيرة المتعلقة بعاصفة الحزم، ويعكس امتناع روسيا عن التصويت دعمها للتحالف العربي بقيادة السعودية ليمهد فيما بعد لحل سياسي في اليمن.

وأكدت سابوبينا أنه على الرغم من الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الروسي، فإنها استطاعت دائماً أن تحافظ على استقلالية سياستها الخارجية، وأن تعارض الولايات المتحدة في العديد من المواقف، ومن ذلك:

  • تقديم روسيا مساعدات مالية لقطاع غزة في ربيع 2006، وذلك لدعم بناء مستشفيات وإجراء الامتحانات في المدارس الفلسطينية، فضلاً عن رفضها تصنيف حماس كجماعة إرهابية على الرغم من الاعتراض الإسرائيلي، كما تدعم روسيا وحدة الصف الفلسطيني وتحقيق المصالحة الداخلية كشرط أساسي للتوصل لاتفاق سلام مع إسرائيل.
  • دعم حكومة بغداد في مواجهة "داعش" في صيف 2014: حيث قدمت مساعدات عسكرية لدعم الشعب العراقي، وليس المالكي، لمكافحة الإرهاب الذي يتعرض له العراقيون، وقد كان لهذه المساعدات دور إيجابي في وقف تقدم "داعش".
  • توسط روسيا في عام 2013 من أجل نزع السلاح الكيماوي السوري، وهو ما أسهم في وقف الضربات الجوية الأمريكية ضد دمشق.

وترى سابوبينا أن مثل هذه المواقف توضح قدرة روسيا على تبني سياسة خارجية مستقلة، وقدرتها على معارضة السياسات الأمريكية، فإنها عبرت عن اعتقادها أن روسيا ستتجنب الدخول في مرحلة جديدة من الحرب الباردة معها في الشرق الأوسط، وإن دفعت عوامل أخرى في هذا الاتجاه لاسيما الأزمة الأوكرانية، وظهور بؤر توتر جديدة بين روسيا والدول الغربية في شرق أوروبا.

وفي ختام المحاضرة، أكدت سابونينا أن روسيا لم يعد ممكناً أن يقتصر تواجدها في المحافل الدولية على حق الفيتو الذي تمتلكه في مجلس الأمن، بل يجب أن تحسن من قوتها الاقتصادية وتعزز من أدائها الاقتصادي ورفع معدلات النمو لتقوية علاقاتها وروابطها بدول الشرق الأوسط. كما تعد مواجهة العقوبات الأمريكية والأوروبية خطوة مهمة لتبدأ روسيا فعلياً في حل مشاكلها الداخلية لتتمكن من ممارسة دور عالمي مؤثر.